المرأة والمقاومة
2025-08-24
المرأة والمقاومة
د. نبيلة سعيد
رئيسة قطاع المرأة في القيادة العليا للمجلس الأعلى للمقاومة الشعبية
كان لي شرف المشاركة في ورشة عمل للقيادات النسائية في مدينة تعز تحت عنوان (تمكين المرأة المقاومة بين الواقع والمأمول)، والتي نظمتهما دائرة المرأة في المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، واستمرت ليومين كاملين، تم التطرق فيها لتعزيز قدرات النساء في المجالات السياسية والمجتمعية، وتنظيم عمل المرأة المقاوم بدءًا من نقطة الحراك التوعوي لضرورة الاصطفاف حول المشروع الوطني الجامع الذي يستنهض قوى اليمنيين بعيدًا عن الانتماءات الحزبية والولاءات الضيقة والمكونات المستهلكة، والبقاء في مربع الانتظار بينما الوقت يزحف نحو المجهول باستمرار، واليمن يعيش ظروف التمزق السياسي والتعثر الإنساني الكبير.
لن أبالغ إذا قلت إني استمعت لأصوات قوية صادقة تفكر في الدولة اليمنية كأنها لا تعيش التحديات الكبيرة المتمثلة بالوضع الاقتصادي المهترئ، وصعوبة الوصول إلى العيش الكريم بعيدًا عن وجود أبسط مقومات بقاء الإنسان على قيد الحياة. فهل يوجد أحد يتصور أن الحوثي الذي يناصر غزة يقتل في وطنه الكثير بمحاصرة الماء والغذاء عن مدينة تشبه غزة في أحلامها بالحرية والكرامة الإنسانية؟ هذه هي الحقيقة الماثلة للعيان أمام اليمنيين، والمشوهة عالميًا. فالمدينة المحاصرة منذ ما يقارب ١١ عامًا ما زالت كل يوم تفقد من أبنائها بسبب الألغام المزروعة في الأزقة، أو بسبب التنقل بين شاهق وأخرى بحثًا عن حياة شبيهة بتلك التي يدافع عنها الحوثي في بلد غير بلده، وهو الذي يصيب أبناء بلده بكل أشكال القتل والتشريد والاستهداف.
في تعز المحاصرة ما زالت المطالب بالحياة والعيش الكريم قائمة حتى هذه اللحظة. هناك مقاومة من نوع آخر، نساء يقفن في الشوارع ينادين بالأحقية في الحياة، ويتابعن التعليم والوعي كمعركة جانبية مساندة للفعل السياسي والعسكري الذي لم يؤتِ ثماره، وترهل كثيرًا من جانب الشرعية، والآمال معقودة حاليًا على مقاومة الشعب والفاعلين في خط المقاومة. ولعل المقاومة التي أطلقت شرارتها في ٢٠١٥م تعيد للحظة الزمانية والمكانية إشراقتها ويتحرر كل شبر في اليمن. هناك الكثير أصبحوا يعقدون تصوراتهم وانتظارهم فقط على فعل يمني خالص مقاوم، ولعل الأوضاع المرهقة في تعز قد صنعت الكثير من رجال المقاومة ذكورًا وإناثًا، المتبنين لخيار يشرف فيه كل يمني أن يكون مع المقاومة وفي صفها؛ ذلك الصف الذي لا يستطيعه إلا كل غيور على بلد يتآكل مع الوقت وتُسرق ثرواته وتُعطَّل قدراته.
شجعنا حوار الفاعلات داخل الورشة خلال اللقاء الختامي اليوم، لنتأكد أن اليمن بخير طالما هناك نساء بمثل هذه الثقافة والوعي والمشاركة. وبلا شك سيكون هناك فعل ينعكس بعد الورشة على المجتمعات المختلفة. إن شرارة ثورة النساء التي انطلقت منذ أشهر في مدينة تعز للمطالبة بحق العيش كفيلة بإضاءة بقية المواقع الجغرافية، والذهاب إلى خط وطني جامع لخيار واحد لا بديل له، وهو التحرير للوطن ككل. ما يحضرنا من هذه الورشة أنها كفيلة أن تصنع مزاجًا مختلفًا للفعل المقاوم، وتشجع الأرواح التي ذبلت من انتظار ماء التحرير للعمل مجددًا بطريقة أكثر تشبثًا بالأمل، واستعدادًا لاسترداد الجمهورية وبناء الدولة. فكل يمني –في تصورنا– وصل إلى قناعة كاملة بأن اليمن لن يتم له التحرير إلا من أبنائه، وهذا ما لا يمكن المراهنة إلا عليه.
الفقدان والأمل هما الخريطة والبوصلة الضامنة لبقاء انتظار الوطن الكبير يتحرر يومًا بعد آخر. ولن يكون فقدٌ إذا كان أبناؤه كل يوم يقومون بعمل جزئي حتى يكتمل مشهد التحرير. وهذا يتطلب التفكير المستمر في الأمل، والبعد عن التفكير فيما نفقد. وهذه هي فلسفة استرداد الحقوق التي بناءً عليها يتحقق المقصود من النضال. فبين البكاء على ما فقد والأمل، مسافة عميقة من التحدي والعمل الجاد والمسؤول، لا يمكن أن يقودك في نهاية المطاف إلا إلى الطريق الرشيد في بناء الدولة اليمنية العادلة.